أضرار فيروس كورونا على الإقتصاد العالمي و الوطني
واجهت البشرية منذ بدايتها مجموعة من الأزمات: حروب، فيروسات، مجاعات... وضعت الإنسان على المحك. ولأن التاريخ معروف بإعادة أحداثه، استيقظ العالم أواخر سنة 2019 على خبر انتشار فيروس -covid 19- جديد في الصين بالضبط بمدينة ووهان، ثم انتقل لباقي دول العالم. للوهلة الأولى لم يفهم العالم ما تواجهه البشرية بالتحديد، فهناك دول استهانت بالفيروس كإيطاليا، وأخرى لم تعره اهتماما كأمريكا. لكن مع توالي الأيام بدأ العالم يدرك مخاطر هذا الفيروس وأنه بإمكانه تدمير العالم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأخيرا صحيا. يعني أن العالم قبل 2019 لن يكون نفسه بعدها، وهذا راجع بالأساس لتأثير فيروس كورونا. فكيف ستكون ملامح الاقتصاد العالمي الجديد في ظل جائحة كورونا؟ وما التغير الذي سيقع على الخريطة السياسية للعالم؟ وكيف ستواجه الحكومات هذا الفيروس الخطير؟
- كان معدل الاقتصاد العالمي قبل جائحة كورونا مستقر، حيث كان يتوقع أن يكون معدل نمو هذه السنة 2.9%، مع نسب نمو مريحة في بعض البلدان، إلا أن فيروس كورونا أدى إلى اختلالات بنيوية في منظومة الاقتصاد العالمي، وأمام غياب أي لقاح فعال أو دواء لأعراض الإصابة به، لم تجد غالبية البلدان من حل إلا فرض الحجر الصحي الشامل على مواطنيها وما نتج عنه من توقف شبه كلي للاقتصاد، ولا شك أن انتشار فيروس كورونا أحدث زلزالا اقتصاديا عنيفا لكل دول العالم، ترتبت عليه خسائر مالية ضخمة، وعمليات إغلاق وتقييد حركة غير مسبوقة، حيث تشير منظمة السياحة العالمية، التي تضم في عضويتها 217 دولة، إلى إغلاق 83% من دول العالم حدودها، من بينها 175 دولة أغلقت الحدود بصورة كلية، بالإضافة إلى طوابير العاطلين، وتزاوج الانكماش وخفض الإنتاج، وجميع هذه المؤشرات تشير إلى أن مستقبل الاقتصاد العالمي يبدو معقدًا، لأن الحصيلة البشرية أو الاقتصادية النهائية مبهمة، وفي هذا المنحى، يتنبأ كينيث ساول روجوف، أحد كبار الاقتصاديين في القرن الحادي والعشرين، بأننا نتجه نحو ركود عالمي عميق، لم يلاحظ مثله منذ الكساد الكبير، ويأمل أن تكون فترة الوباء أقصر بكثير، على الرغم من أن سرعة المغادرة ستعتمد على كيفية تطور الفيروس واستجابة النظام الصحي . ولكن، حتى في أحسن الأحوال، فإن الوضع صعب بالنسبة للأسواق الناشئة. حيث إنها قبل الأزمة، كانت تواجه بالفعل دين خارجي مرتفع للغاية ونمو تنازلي، مما سيؤدي إلى انهيار العديد من الدول، وفي هذا الصدد ظهرت تنبؤات متفائلة منها: اعتقاد إدموند فيلبس، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد الذي قال إن معظم الشركات، وبالتأكيد الولايات المتحدة، لن يفشلوا في العودة إلى العمل بمجرد انتهاء الأزمة.
- أما على المستوى الوطني فالاقتصاد المغربي كحال باقي الاقتصادات العالمية تضرر أيما تضرر من هذه الجائحة الخطيرة، حيث عرف تراجع قدر ب 5٪ مقارنة بسنة 2019، فحسب الإحصائيات الوطنية فالاقتصاد المغربي يخسر كل يوم بسبب الجائحة 101 مليون دولار أي 101 مليار سنتيم، وكذلك من مخلفات الجائحة على مستوى اليد العاملة فقدان ما يقارب 726 ألف وظيفة بالمغرب، وهذا رقم يعد مرعبا فمعدل البطالة سيرتفع أكثر فأكثر فعلى سبيل المثال قطاع السياحة من القطاعات النشيطة اقتصاديا بسبب كورونا، وغلق الحدود جمد هذا القطاع بشكل كلي والمشتغلون به يعانون في صمت. كل هذا أدى بالدولة المغربية إلى اتخاذ سياسية تقشفية جديدة تبدأ هذه السنة وتنتهي بحلول سنة 2023، ومن أهم تدابير هذه السياسة تجميد التوظيف العمومي لمدة 3 سنوات باستثناء التوظيف في القطاعات الحيوية الثلاث: التعليم، الصحة، الامن، مما يعني أن جائحة كورونا كان لها وقع شديد على الاقتصاد المغربي، مما سيؤدي به للتراجع وتفشي البطالة أكثر من السابق في السنوات الثلاث القادمة.
- على المستوى السياسي فتأثير كورونا على السياسة لن يقل عن تأثيرها الاقتصادي، فملامح العالم السياسية بدأت بالتغيير إبان هذه الأزمة، فقطبي العالم حاليا، الولايات المتحدة الأمريكية والصين دخلوا في مناوشات وصراعات دبلوماسية، وكل منهما يحمل الآخر مسؤولية انتشار الفيروس، وأن هذا الفيروس ليس طبيعيا بل هو فيروس معدل مختبريا، فالولايات المتحدة الأمريكية حملت الصين السبب وأنها عملت على نشر الفيروس إلى مختلف بقاع العالم، كما اعتبرتها لا تصرح بالعدد الحقيقي للمصابين بالفيروس، فهذا الفيروس كان له وقع سلبي على العلاقة الصينية الأمريكية، وزادها توترا، وهذا راجع إلى التنافس السياسي والعسكري بين البلدين. ومن المظاهر الأخرى لتأثير هذه الجائحة على السياسة العالمية، نجد مثالا آخر في أوروبا، فالعلاقة السياسية بين إيطاليا وباقي الاتحاد الاوروبي عرفت تدهورا بسبب اعتبار الحكومة الايطالية أن دول الاتخاد الاوروبي قد تملصت من مساعدتها في مواجهة هذا الفيروس، وتركتها تصارعه وحدها مما أدى إلى تراجع العلاقة القائمة معها. وهذين المثالين يوضحان بجلاء مدى تأثير هذه الجائحة على الخريطة السياسية، وأن العلاقات السياسية بعد كورونا لن تكون كما كانت من قبل.
- وعموما ففيروس كورونا يزج بالاقتصاد العالمي إلى أسوأ تراجع له منذ الأزمة المالية التي ضربت العالم قبل أكثر من عشر سنوات، ومن هنا سيتعين على الاقتصاد الاستجابة للمطالب الاجتماعية الجديدة وتصميم سياسات مالية أكثر اتساعًا، وإحداث بنود للإنفاق الاستثنائي لمواجهة الأوبئة الجديدة.
شكرا
ردحذفإرسال تعليق