السوسيولوجيا وأشكال التفاعل الاجتماعي
ينطلق علم الاجتماع الجزئي في دراسة الوقائع الاجتماعية التي غالبا لا نعطيها قيمة في حياتنا المتمثلة في مجموعة من أنماط التفاعل الاجتماعي بين البشر، إلا أن القوانين التي تحكم هذه الوقائع شأنها شأن الوقائع الاجتماعية الكبيرة. إن هذين النهجيين الكلي والجزئي في علم الاجتماع كلاهما وجهان لعملة واحدة أو بمعنى أصح مترابطان من حيت تأسيس المعارف.
فما هي أهم الظواهر التي يعالجها علم الاجتماع المصغر، وفي ماذا تتمثل؟ وكيف يمكن لهذا النوع من الدراسات أن يساعدنا في حياتنا الاجتماعية؟
تعتبر المدرسة التفاعلية الرمزية من أهم المدارس التي لها العديد من الدراسات حيث تمثل عبارة البناء الاجتماعي المحور الرئيسي لهده المدرسة.
نظرة (كوفمان) إلى العالم الاجتماعي
ينظر كوفمان إلى العالم الاجتماعي على أنه خشبة المسرح وأفراده على أساس أنهم ممثلين يقومون بأدوارهم وهذه الأخيرة تحددها المكانة الاجتماعية، فالمدرس على سبيل المثال له موقع محدد يمارس من خلاله أنشطته تجاه التلاميد، ومن هنا فإن الطريقة التي نتصرف بها تعتمد على طبيعة الدور، وهذا مايسمى “إدارة الانطباعات” بموجبه يستجيب الفرد الآخر مع ماتقوم به .
يوجد أيضا مفهوم ” الكواليس” الذي يعني به كوفمان الهوية الذاتية والهوية التي يتم تصديرها للأخر التي تكون منسجمة مع أدوار المجتمع، غالبا المجتمع هو من يصنع الأدوار وماعلى الفاعلين سوى تقمص تلك الأدوار والغرض من ذلك حتى لا نشعر بالوصم.
وفي هذا السياق نستحضر مثال النادل في المطعم تراه يظهر علامات الأدب والطيبة واللطف أمام الزبائن ليغير من سلوكه بمجرد الدخول إلى المطبخ ويبدأ بالصراخ والشجار.
المكانة الاجتماعية
ثمة اختلافات ثقافية حول مانوع المكانة الاجتماعية التي يحددها المجتمع، حيت أن لكل مجتمع خصائصه. أطلق بعض علماء الاجتماع( بيكر ) و ( هيوكس) على هذه الظاهرة “المكانة العليا” . نستدعي في هذا الموضوع دراسة أقامها كل من الباحثان (اومي) و (ويننت) بينوا أن اول سمات حددها المشاركين هي “الجنس والعرق”
الفضاء الشخصي
لابد وأنك أتناء تنقلك بحافلة ممتلئة عن آخرها شعرت بعدم الارتياح والتوتر، والسبب في ذلك يعود بالأساس إلى اقتحام فضاءك الشخصي.
نقصد بالفضاء الشخصي تلك المساحة التي تكون بينك وبين الفرد الآخر أثناء تفاعلك معه، ويرى (ادورد هو) في دراسة اجتماعية قام بها، حيت استنتج أنه هناك أربعة أنماط من المسافات.
فالمسافة الحميمية يشيع استعمالها في أغلب الحالات خصوصا بين الافراد المقربين قد يكون حبيب أو فرد من العائلة، ولا تتجاوز مساحتها نصف متر.
أما المسافة الشخصية فإنها تكون بين الأصدقاء الجدد والمعارف، ومساحتها بين متر وأحيانا نصف متر.
وهناك أيضا المسافة الاجتماعية وتمُل اللقاءات والندوات والمحاضرات وتتراوح بين متر إلى ثلاثة أمتار.
وأخيرا المسافة العادية وهي التي تكون بين الفرد والجمهور وتتراوح بين أربعة أمتار إلى أكثر من ذلك.
النزعة إلى التقارب
تعتبر مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت بشكل عام ثورة هذا العصر، حيث أصبح الآن إلزاما على كل فرد وعائلة، وهذا ماجعل العديد من الظواهر تظهر كإنعكاس لظهور هذه الوسائل التقنية.
أنصار إيجابيات التواصل عبر الإنترنت
تضاربت الأفكار بين أنصار إيجابيات التواصل عبر الإنترنت وبين أنصار نقيض ذلك.
يعتقد أنصار الفكر الأول وكما بينت دراسة pascop أن التواصل الإلكتروني مفيد لصالح الفئات المستضعفة وخصوصا منهم النساء اللواتي قد يتعرضن للمضياقات والتحرش، أضف إلى ذلك أن التفاعل الإلكتروني يجعل الناس يتواصلون بحرية تامة بعيدا عن الأذى، بالإضافة إلى سرعة تنقل المعلومة.
أنصار سلبيات التواصل عبر الإنترنت
وعلى نقيض ذلك هناك دراسة قام بها (لوك) وضح من خلالها أن هناك اختلاف كبير بين التواصل الإلكتروني والتواصل المباشر حيث أن الأوال يؤدي إلى انهيار العلاقات بين الزملاء والزميلات في مكاتب العمل، أما التواصل الثاني (التواصل المباشر) فإننا نمارسه بحضور أجسامنا عندما تتحرك عضلات وجوهنا ويكون هناك اتساق بما نقولوه مع مانشعر به ومع مانعبر به، علاوة على دلك الطريقة التي نحرك بها الأيادي دائما مايكون لها علاقة بما نتحدت به والنظرة المباشرة للأعين إلى اخ … كل هذه الأمور تساعد على بناء الثقة وتعزز من بناء العلاقات ونتفهم بها الآخرين، وعلى خلاف ذلك ينهار جسر الثقة حيث تبدأ عقولنا بتحليل مضمون رسالة بدون الحضور الجسدي مما يؤدي إلى عدم فهم الآخر.
على الرغم من تزايد أشكال الاتصال والإعلام وتطورها ونتائجها التورية التي بصمت لمسة واضحة في حياة الأفراد إلا أنه مازال الأشخاص يلتقون ويتواصلون فيما بينهم ويلتم شملهم، وهذا قدمه الباحثان (بودن) و (مولوتش) في دراسة قدموا فيها تفسيرا لهذه الظاهرة بعدما سموها “النزعة إلى التقارب” أي الحضور الشخصي والجسدي الفعلي في التلاقي والتفاعل الاجتماعي.
هكدا نصل في نهاية المطاف إلى خلاصة مفادها أن علم الاجتماع الجزئي أو ميكروسوسيولوجي له أهمية كبرى خصوصا في فهم الظواهر المصغرة في أشكال تفاعل الأفراد فيما بينهم حيث أنه من خلال ذلك يمكننا فهم أشكال أنماط المؤسسات والتنظيمات الكبرى والمركبة.
إرسال تعليق