شاعرة متميزة لا يتقدمها في الشعر سوى الخنساء، عاشت في العهد الأموي، عشقها توبة بن الحمير.
عرفت قبيلة ليلى بين العرب بالعشق، و كانوا سباقين في المشاركة في المعارك الإسلامية.
ليلى هي الأم والزوجة الصادقة الحافظة، الجميلة الفصيحة، الطويلة الرشيقة، دعجاء العينين، حسنة المشية، التي وقفت على قدم المساواة مع شعراء العرب آنذاك. عاصرت خلافة عمر بن الخطاب.
أما توبة بن الحمير فهو الصديق و الفتى الذي عاشت معه طفولتها، كان توبة صعلك من صعاليك الجزيرة العربية الذين لا يعترفون بسلطة القبيلة فطرد منها، و أصبح يغير على قبائل العرب، و هو من أبناء عمومة ليلى أيضا.
بدأ عشق ليلى و توبة عندما كان الناس مشغولون باستقبال الفرسان، و سعادتهم بالغنائم، فتكلمت كل من عيني العاشقين بكلام الحب و الحنين فاشتعلت مشاعر الهوى و العشق في قلبيهما.
برزت النساء يوما بعد الغزو لاستقبال الفرسان الشجعان، فبرزت في عيني توبة ليلى فرأها بين النساء جميلة مليحة تسر خاطره، فشكا لها ما في قلبه، وما نزل عليه من حسنها وبهائها. فأعلمته أنها بها شوقا ضعف ما شكاها إليها، وأنها لا تقدر على وصف ما أصابها منه من عشق، فتفجرت المشاعر بينهما وزاد الحنين في قلبيهما. لتبدأ قصة حب عذري حزينة بين شاعرة عظيمة و صعلك من صعاليك الأمويين.
بعد إعلان الحب بينهما، أراد توبة أن يتزوج ليلة، فتقدم لخطبتها، لكن والد ليلى رفض، وذلك لتفشي و ذياع صيت حبهما، فزوجها من رجل آخر، لأن العرب قديما لا تزوج الفتاة بمن تغزل بها في شعره.
رغم زواج ليلى، بقيت تزور توبة و تخرج لملاقاته، إلا أن أهلها اشتكوا بتوبة عند السلطان، فأمر بقتله إذا تكرر أمر تلاقيهما، فلما علمت بهذا الحكم، خرجت ليلى إلى طريق توبة سافرة أي منكشفة الوجه لأنها كانت تلقاه ببرقعها، فلما رأها على هذا الحال علم بما تريد إخباره و فطن بما أرادت أن تحذره، فركض إلى فرسه ، و في ذلك أنشد توبة:
نأتْكَ بليلى دارُها لا تَزورها وشطّت نواها واستمَّر مريرُها
وقال أيضاً:
وقال رجال لا يَضيرُكَ نأيُها***بلى كلَّ ما شفَّ النفوسَ يضيرها
أليس يضير العينَ أنْ تكثرَ البُكا***ويمنعَ منها نومُها وسُرورُها
أرى اليومَ يأتي دونَ ليلى كأنما***أتى دونَ ليلى حِجةٌ وشهورُها
لكلَّ لقاءٍ نلتقيهِ بشاشةٌ **** وإنْ كانَ حولا كلُّ يومٍ أزورُها
خليليَّ روحا راشدينَ فقد أتتْ***ضَرّيةُ من دون الحبيبِ فِنيرُها
وقال في حب ليلى الذي ملكه أيضاً:
ولو أنَّ ليلى الأخيليةَ سَلّمت***عليَّ ودوني جَنْدلٌ وصفائحُ
لسلمتُ تسليمَ البشاشةِ أوصاح***إليها صدىً من جانبِ القَبر صائحُ
غير أن هذه القصة كتبت لها النهاية بعد موت توبة بن الحمير غدرا، جزاء غاراته، فلما علمت بذلك ليلى بكت رثاء عليه.
و من ما قلته في رثائه:
أيا عَيْنُ بَكّي تَوْبَةَ بن حُمَيِّرِ***بسَحٍّ كَفَيْضِ الجَدْوَلِ المُتَفَجّرِ
لِتَبْكِ عَلَيْهِ مِنْ خَفَاجَةٍ نِسْوَةٌ***بماءِ شُؤُونِ العَبْرَةِ المُتَحَدِّرِ
كانت ليلى الاخيلية علاقة بالامراء و كبار القوم في عصرها، فيوما دخلت على الحجاج، فسألها عن ماهية علاقتها بتوبة، وما كان يربطها به، فذكرت له بيتا أنشدته وهي في خلوة بتوبة:
وذي حاجة قلنا له لا تبح بها *** فليس عليها ما حييت سبيل
لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه *** وأنت لأخرى فارغ وحليل
وكان الحجاج من المعجبين بشعر الأخيلية، وكان يكرمها كثيرا .
وروي عنها قصتها المشهورة مع عبد الملك بن مروان، وكانت ليلى أنذاك، عجوزا وقد انكمش وجهها و أطلت عليها سنين الدهر.
فقال لها: ما رأى توبة فيك حين هويك؟ قالت: ما رآه الناس فيك حين ولوك خليفة، فضحك الخليفة حتى ظهرت له سن سوداء اللون يخفيها.
أقبلت ليلى من سفر وأرادت أن تزور قبر توبة ذات يوم، واقبلت هي و زوجها الذي كان يمنعها، ولكنها قالت له: “والله لا أبرح حتى أسلم على توبة”. فلما علم زوجها إصرارها تركها تسلم عليه، فوقفت أمام القبر وقالت: “السلام عليك يا توبة”. ثم قالت للناس ما عرفت له كذبة، فلما سألوها عن ذلك قالت أليس هو الذي أنشد:
ولو أن ليلى الأخيلية سلمـت علـي*** ودوني تربـة وصـفائح
لسلمت تسليم البشاشة أوصاح*** إليها صدى من جانب القبر صائح
فسألت في موضعها، فما باله لم يسلم علي كما قال؟! وتواجدت بجانب القبر بومة، فلما رأت الهودج خافت وطارت في وجه الجمل، الذي أدى اضطرابه إلى رمي ليلى على رأسها فنزفت وماتت في نفس الوقت ودفنت بجانب قبر توبة، لتجتمع و تلقى حبيبها بعد جفاء سببه الموت.
ليلى هي سيدة و شاعرة عرببة، فشعرها حفظه أبو نواس و غيره من الشعراء التابعين لها. و ليلى تجرعت محنة العلاقات الشديدة في قوم يعرف بتقاليده الصارمة و أعراف قبلية صعبة.
فهي مثال على المرأة العربية التي عاشت قصة حب عذري، و حياتها التي امتلأت اجواءها صبابة و عشق.
إرسال تعليق