من هم فرقة الكاميكازي؟ الفرقة الإنتحارية
لقد أصبحنا نسمع كثيرا في الآونة الأخيرة كلمة كاميكازي حتى أن بعض الفنانين أطلقوا هذه الكلمة على أعمالهم كالرابر الأمريكي ايمينم لكن ما حقيقة هذه الكلمة و ما التاريخ التي تحمله وراءها ؟
خلال الحرب العالمية الثانية، وفي المعارك بين اليابان والولايات المتحدة، حدث أمر غريب، الطيارون العسكريون اليابانيون يحلقون بطائرتهم لكن ليس لإلقاء القنابل على السفن الأمريكية، بل يلقون بأنفسهم وبالطائرات إلى قلب السفن وحاملات الطائرات الأمريكية، ليحققوا أكبر خسارة ممكنة للعدو، إنهم «الكاميكازي».
بداية الكاميكازي
بعد سنتين من بداية الحرب العالمية الثانية و التي بدأت تعرف تفوقا كاسحا لدول الحلفاء على دول المحور. هذا ما جعل اليأس يتسرب لصفوف دول المحور خاصة اليابان التي كانت على مواحهة مع للولايات المتحدة الأمريكية التي تفوقت عليهم بتقنيتها و اسلحتها المبتكرة آنذاك .
و ففي يونيو 1942، واجه الجيش الياباني أيامًا رهيبة خلال «معركة ميدواي»، التي كانت الولايات المتحدة طرفها الآخر، واستمرت بين الرابع والسابع من يونيو، فقدَ خلالها الجيش الياباني أعدادًا ضخمة من الطيارين.
أدَّى كل هذا إلى إرسال طيارين لا يملكون خبرة كافية بأسطول جوِّي عتيق الطراز ومهمل، ما سبَّب معركة «بحر الفلبين» عام 1944، أو ما يطلق عليه الحلفاء «عملية ضربة الديك الرومي». في ظل هذه الظروف ابتُكِر اليابانييون فرقة الكاميكازي لصد الولايات المتحدة الأمريكية، فكلمة كاميكازي تعني «الريح الإلهية» باليابانية.
لم تكن الفكرة غريبة جدًّا على اليابانيين، فالموت قبل الهزيمة متأصل بقوة في الثقافة العسكرية اليابانية، هربًا من العار والندم، مثل الـ«هارا كيري» (قطع أحشاء البطن) الذي كان يمارسه مقاتلو الساموراي ، لعدة أسباب، مثل تفادي الوقوع في يد العدو أو لمسح عار الهزيمة أو كعقاب للساموراي نتيجة ارتكابه إثم أو جريمة.
و لقدت كان صاحب فكرة و إستراتيجية الكاميكازي من القائد آنذاك «موتوهارو أوكامورا» الذي خرج بفكرة/استراتيجية إرسال طيارين إلى رحلة انتحارية ذات اتجاه واحد، والذي قرَّر تجميع عدد من الطيارين المتطوعين فقط ليحطموا طائراتهم عن عمد، هؤلاء كانوا «توكبيتسو كوغيكيتاي» (وحدة الهجوم الخاصة) التي شكَّلت الكاميكازي لاحقًا.
كان أوكامورا واثقًا من هذه الاستراتيجية حيث قال : «أؤمن كليًّا بأنه في وضعنا الحالي، تكون الطريقة الوحيدة لتغيير موازين الحرب لصالحنا هي اللجوء إلى انقضاض مستعينين بطائراتنا. لا يوجد طريقة أخرى. سيكون هناك متطوعون أكثر مما يلزم لهذه المحاولة لإنقاذ وطننا. زودوني بثلاثمئة طائرة وسأغيِّر مجرى الحرب».
بعد إعلان أوكامورا تشكيل فريق من الطياريين الانتحاريين، تدفق عدد هائل من المتطوعين إلى درجة أنهم أصبحوا أكثر من عدد الطائرات، حتى إن أوكامورا شبَّههم بسرب من النحل، نحل يموت بعدما يلسع و شعراهم فريق الرحلة الواحدة
إعداد الكاميكازي
في هذه الأثناء، بدأت الخلافات داخل الجيش الياباني تظهر، وتبين أن كثيرين لم يوافقوا على ما يحدث. الملازم «يوكيو سيكي» الذي أُمر بقيادة الفرقة 23 مثلًا، رأى أن مستقبل اليابان سيكون غائمًا إذا انتحر خيرة طياريه، لكنه لم يستطع فعل شيء، ونفَّذ المهمة، ليس من أجل الإمبراطور والإمبراطورية، بل لأنه أُمِر بتنفيذها لا أكثر.
أماالشبان الذين تطوعوا ليصبحوا كاميكازي، فقد عوملوا بطريقة وحشية في أثناء التدريب، إلى درجة أن بعضهم فقدوا أي شعور يتعلق بحب الوطن، بناءً على شهادات من المتدربين الناجين.يقول «إروكاوا دايكيشي»: «كنت أُضرب على وجهي مباشرة بقوة حتى أصبح من الصعب تمييزه. كنت أُضرب بشدة حتى أقع على الأرض. وبعد لحظات عندما أحاول النهوض أتلقى الضربات مرة أخرى».
إذًا، بينما كانت الصورة المروَّج لها أن هؤلاء تطوعوا من أجل الإمبراطور والوطن، كان هناك آخرون تطوع فقط لأنهم يرون أن هذا هو الفعل الصحيح، أو من أجل حماية عائلتهم وأصدقائهم، وهناك من تطوع بسبب الضغوط.
لكن ما التكتيك الذي اعتمد عليه أوكامورا لإقناع اليابانيين بالتطوع؟
معظم الرجال تأهلوا للتجنيد في المخطط من خلال استفتاء بسيط يحتوي على سؤال ذي اختيارات: هل تريد/ لا تريد الانضمام إلى هجمات الكاميكازي؟
الرجال المطروح عليهم السؤال طُلب منهم وضع دائرة حول اختيارهم. كان هناك خيار عدم التطوع، لكنهم ما زال عليهم كتابة اسمهم في الاستمارة، وهذا ما شكَّل ضغطًا عليهم، فهم لا يريدون أن يضعوا أسماءهم ليشعروا بالعار لاحقًا، وفي الوقت نفسه كان يريدون فعل شيء وتقديم أي مساعدة لبلدهم. بعضهم خاف من الانتقام لو رفض، حتى إن الانتقام قد لا يتوقف عند الجندي الرافض، بل قد يطال أفراد عائلته.
هناك تكتيك آخر اتبعه بعض ضباط الجيش، عن طريق «تشجيع» الجنود على التطوع بوضعهم في غرفة وإلقاء خطب عليهم عن حب الوطن، وبعد الانتهاء يطلبون من كل من لا يود أن يكون كاميكازي، التقدم خطوة إلى الأمام، وهذا التكتيك كان فعَّالًا لأنه يعطي الجنود حرية اختيار عدم التطوع، لكنه قائم على لعبة نفسية خبيثة، لأن كل من يتمتع بالولاء لوطنه وإمبراطوره لن يستطيع رفض التطوع، وإلا سيحمل عار عدم نية الموت، بينما أصحابه الجنود يقدمون أرواحهم لحماية وطنهم.
نتيجة الكاميكازي
بعد هذا ربما نطرح سؤال عما حققه مخطط الكاميكازي هذا. بحسب القوات الجوية الأمريكية، فإن ما يقرب من الثلاثة آلاف كاميكازي نفذوا مهمته، ما سبب ضررًا لـ368 سفينة، 34 منهم مات غرقًا. قُتل أربعة آلاف و900 جندي بحرية، وأصيب أكثر من أربعة آلاف و800. وهذه النتيجة تحققت رغم أن 14% فقط من الكاميكازي أصابوا أهدافهم بنجاح.
لكن هذه الهجمات لم تستطع تغيير الموازين بين المتحاربين، إلا أنها لا شك سببت خسائر صادمة للحلفاء، وجعلتهم يتبعون تكتيكات دفاعية لم تكن في الحسبان للتصدي لهذه الهجمات، وكانت، وفقًا لموقع «التاريخ الأمريكي»، أحد الأسباب التي جعلت رئيس الولايات المتحدة آنذاك «هاري ترومان» يأمر بإلقاء القنبلة النووية على هيروشيما وناغازاكي.
إرسال تعليق